البحر الرائق في الزهد و الرقائق : للشيخ / د . أحمد فريد .( تلخيص : د . وديع أحمد )
********************************************************
الحمد لله و الصلاة و السلام على رسول الله .
من فضل الله على العبد أن ييسر له سبيل الخيرات و يصرف عنه السوء و المنكرات . و لا شك أن الاهتمام بما تزكو به النفس و يرق له القلب , حتى ينقاد لشرع الله , من أعظم أسباب الخير في الدنيا و الآخرة .
و السعادة هي سعادة القلوب , و الشقاء هو شقاء القلوب . و القلوب لا تسعد إلا بالله , ولا تطمئن إلا بذكره و طاعته , كما قال تعالى ( الذين اّمنوا و تطمئن قلوبهم بذكر الله , ألا بذكر الله تطمئن القلوب ) الرعد 28 .
فيجب على العبد أن يداوي قلبه بأدوية القراّن و السنة الصحيحة . فما جعل الله شفاء أمة محمد فيما حرم عليها . ولا نستغني عن اّيات الله بالأبيات الشعرية كما فعلت الصوفية ,و كل ما يشغل عن القراّن و السنة الصحيحة فهو شؤم على صاحبه . نسأل الله السلامة ( أمين ) .
فالكتاب و السنة الصحيحة منهج حياة للأفراد و المجتمعات , يتكفلان بالسعادة الدنيوية و الأخروية .
قال الله تعالى ( فمن اتبع هُداي فلا يضل و لا يشقى , ومن أعرض عن ذكري فإن له معيشة ضنكاَ و نحشره يوم القيامة أعمى ) طه 133- 134 .
فكل ما يتقرب به العبد إلى الله عز و جل يجب أن يكون في حدود المشروع , وهذا هو أصل دين الإسلام , فليست العبادة تعذيباً للنفس , فقد قال النبي صلى الله عليه و سلم لما رأى رجلاً نذر أن يمشي ولا يركب ( إن الله عن تعذيب هذا نفسه لغني ) .و أمره أن يركب , فلا يجوز أن نتقرب لله عز و جل بعبادات لم يشرعها , و كذلك لا يجوز أن نبالغ في المشروع .و لا يجوز لأحد من المسلمين أن يزيد على ما فعله النبي صلى الله عليه و سلم في عبادته , فهو المثل الأعلى في العبادة ولا يوجد من هو أكمل منه في عبادته لله .
أخي المسلم :
إليك مقتطفات من هذا الكتاب الفائق , الجميل الرقائق .
= الإخلاص و متابعة السنة شرطان لقبول العمل :
إن الله لا يقبل من العمل إلا العمل الصواب الخالص .
و الخالص معناه أن يكون بكامله لله جل و علا , و الصواب هو الموافق للسنة .
و الاخلاص هو إفراد الله عز و جل بالقصد في الطاعات , فلا يكون في القلب باعث على العمل سوى الله .
و لا يتخلص العبد من الشيطان إلا بالإخلاص لله , لقوله تعالى أن الشيطان يقول ( إلا عبادك منهم المخلصين ) الحجر 40 .
و سبيل ذلك أيضاً بقطع الطمع في الدنيا , و التجرد للآخرة , لقوله صلى الله عليه و سلم : إنما الأعمال بالنيات . أي أن قبول العمل الصالح الموافق للسنة منوط بتوفر النية الصالحة . و ثواب العامل على عمله يكون بمقدار النيات الصالحات التي يجمعها في العمل الواحد , فينوي في العمل الواحد نيات كثيرة , فإن تجارة النيات هي تجارة العلماء مع الله . مثل أن ينوي بذهابه إلى المسجد : الصلاة و العمل بالسنة و لقاء الإخوان و العلم النافع و غير ذلك.
و الجاهل هو من ظن أن المعصية تصير طاعة بالنية .
و يمكن للعبد أن يستحضر نية صالحة في المباحات فتصبح بذلك قربات و يثاب عليها , مثل أن ينوي بالطيب و السواك أن يتبع السنة , فتصير قربة تحسب له عمل صالح .
- و متابعة السنة هو الشرط الثاني لقبول العمل , لقوله صلى الله عليه و سلم ( من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد ) أي من فعل في ديننا فعلاً ليس من هدينا , فهو مردود عليه بالعقاب . فهذا هو ميزان الأعمال في ظاهرها , و قوله ( إنما الأعمال بالنيات ) هو ميزان الأعمال في باطنها , وكل عمل لا يكون متابعاً لما أمر به الله و رسوله فهو مردود على عامله .
و قد أخبر النبي أن أمته تفترق تفترق على بضع و سبعين فرقه , كلهم في النار إلا واحدة و هي التي تتبع سنته و أصحابه رضي الله عنهم .
و قوله صلى الله عليه و سلم ( كل بدعة ضلالة ) هو أصل عظيم من أصول الدين . فكل من أحدث في الدين أمراً ليس له أصل في الشرع فهو ضلالة , و ذلك في الاعتقادات و الأعمال التي في الدين .
أما استحسان عمر رضي الله عنه لاجتماع الناس في رمضان على إمام واحد في قيام الليل ( التراويح ) فقال ( نعمت البدعة هذه ), فإن هذا الفعل له أصل في الشرع , لأن النبي كان يحث على قيام الليل في رمضان , و كان الناس في حياته يقومون في المسجد جماعات , و قام النبي بأصحابه عدة ليالي .
و قد أمر الله عز وجل باتباع سنة النبي صلى الله عليه و سلم , فقال ( و ما أتـاكم الرسول فخذوه و ما نهاكم عنه فانتهو ) ( الحشر 7 ) , و قال ( و ما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله و رسوله أمراً أن يكون لهم الخيرة من أمرهم , و من يعص الله و رسوله فقد ضل ضلالاً مبيناً ) ( الأحزاب 36 ) .
و قال العلماء : من أعان صاحب بدعة فقد أعان على هدم الإسلام .
== فضل العلم و العلماء
قال تعالى ( شهد الله أنه لا إله إلا هو و الملائكة و أولوا العلم قائماً بالقسط , لا إله إلا هو العزيز الحكيم ) .فمن فضل العلم و أهله , استشهد الله بالعلماء دون غيرهم من البشر , و قرن شهادته عز و جل و شهادة الملائكة بشهادتهم , و بذلك زكاهم .
و لذلك أمر الله جل و علا نبيه بأن يسأله المزيد من العلم ( و قل ربي زدني علماً )( طه 114)
و العلم هو خشية الله , و العالم هو من يخشى الله , و لذلك رخَّص رسول الله صلى الله عليه و سلم للحاسد في حالة تمني الإحسان إلى الناس بالعلم و المال ( أي جعله حسد حلال ), وقال
( من سلك طريقاً يطلب فيه علماً , سلك الله به طريقاً من طرق الجنة ,و إن الملائكة لتضع أجنحتها رضاً لطالب العلم ... و إن العلماء ورثة الأنبياء .. ) يعني : علوم الدين فقط .
== أداب طالب العلم :
ينبغي على طالب العلم أن يعلم أن الله فرض عليه عبادته , و العبدة لا تكون إلا بعلم , ليعبد الله عز وجل كما أمره و ليس كما تهوى نفسه , و أن يتجنب الأسباب الشاغلة عن التحصيل , إلا أسباب لابد منها للحاجة .
و يقدم طهارة النفس عن الرذائل لأن العلم عبادة القلب .
ولا يتكبر على العلم , و يتواضع لمعلمه , و يخضع له .
و يختار من يتعلم منه , و يكون ممن تكملت أهليته و ظهرت ديانته, و تحققت معرفته .
و من أداب مجلس العلم أن يخص معلمه بالتحية , و يجلس أمامه , ولا يشير عنده بيده , ولا يغمز بعينه , ولا يعارضه , ولا يغتاب عنده أحد , ولا يكلم جليسه , ولا يلح على العالم بسؤال .
== عن الدنيا :
قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : ( كن في الدنيا كأنك غريب أو عابر سبيل )
و قال ( لو كانت الدنيا تعدل عند الله جناح بعوضة ما سقى كافراً منها شربة ماء )
إعلم عبد الله أن الدنيا هي مزرعة الآخرة , و أن يوم القيامة هو يوم الحصاد , يوم لا يحصد أحد إلا ما زرع .
و لذلك : حاسبوا أنفسكم في الدنيا قبل أن يحاسبكم الله في يوم القيامة , و زينوا أعمالكم ليوم العرض الأكبر ( يومئذ تُعرَضون لا تخفى منكم خافية ) .
و لا تغتر يا عبد الله بكثرة العمل , فإنك لا تدري هل قبله الله منك أم لا .
و لا تأمن الذنوب , لأنك لا تدري هل غفرها الله لك أم لا .
و اتق المظالم فإن الموت يعمنا ,و القبر يضمنا , و الله تعالى يحكم بيننا , وهو خير الحاكمين .
== محبة الدنيا :
محب الدنيا يتعذب في كل دار : يتعذب في الدنيا بالسعي فيها و منازعة أهلها , و يتعذب في البرزخ بالحسرة على ما تركه فيها بعد حبها , و يتعذب في قبره بالهم و الغم و الحزن عليها , و يتعذب يوم القيامة لأجل أنه منع حق الله فيها .
=== الاستغفار و الدعاء :
إليك الآن سيد الاستغفار : : أللهم أنت ربي لا إله إلا أنت , خلقتني و أنا عبدك , و أنا على عهدك ووعدك ما استطعت , أعوذ بك من شر ما صنعت , أبوء ( أعترف ) لك بنعمتك عليَّ , و أبوء بذنبي فاغفر لي , فإنه لا يغفر الذنوب إلا أنت .
و كان النبي صلى الله عليه و سلم يستغفر ربه قائلاً : رب اغفر لي و تب عليَّ إنك أنت التواب الغفور .
و قد لجأ النبي صلى الله عليه و سلم في هذا الحديث إلى ثلاثة أسباب لنوال المغفرة وهي : التوحيد , و الاستغفار , و الدعاء مع الرجاء .
و قال – صلى الله عليه و سلم : إن من لم يسأل الله يغضب عليه .
= و اعلم يا عبد الله أن للدعاء فوائد :
فهو يدفع المكروه و يدفع البلاء أو يخففه إذا نزل
= للدعاء أداب , وهي : أن يجزم بالدعاء , و يوقن بالإجابة , و أن يلح بالدعاء و يكرره ثلاثاً , و لا يعجل , ولا يقول دعوت ولم يستجب لي , و لا ييأس , و يترصد الأوقات الشريفة كوقت السحر و يوم الجمعه , و يغتنم الأحوال مثل السجود و نزول المطر , و يخفض صوته مع الانكسار لله . و يفتتح الدعاء بالحمد لله و الثناء عليه , و يصلي على النبي محمد صلى الله عليه و سلم , و يختم بهما, و أن يطيب مطعمه فلا يأكل إلا من حلال , و يستقبل القبلة , و يدعي بالمأثور عن النبي و صحابته رضي الله عنهم , و أن يعظم الرغبة في الله عز و جل , و يتوب و يرد المظالم و يقبل على الله بالاستجابة إلى كل ما أمرنا به و ترك ما نهانا عنه .
== بركات الصبر :
1- محبة الله للصابرين( و الله يحب الصابرين )
2- معية الله للصابرين ( إن الله مع الصابرين ) ( الأنفال 46 ) بهدايته و نصره و فتحه
3- يعطيهم أجرهم بغير حساب ( إنما يوفَّىَ الصابرون أجرهم بغير حساب ) الزمر 10
4- الفوز بالجنة ( إني جزيتهم اليوم بما صبروا أنهم هم الفائزون ) المؤمنون 111
5- الانتفاع باّيات الله ( إن في ذلك لآيات لكل صبار شكور ) الشورى 33
6- الإمامة في الدين ( و جعلناهم أئمة يهدون بأمرنا لما صبروا ) السجدة 24
7- الصبر خير لأهله ( و لئن صبرتم لهم خير للصابرين ) النمل 126
8- لا يضرهم كيد العدو ( و ان تصبروا و تتقوا لا يضركم كيدهم شيئاً ) ال عمران 120
9- الفلاح ( يا أيها الذين اّمنوا اصبروا و صابروا و رابطوا و اتقوا الله لعلكم تفلحون ) ال عمران 200
10- لهم 3 بشارات ( و بشر الصابرين ... أولئك عليهم صلوات من ربهم و رحمة و أولئك هم المهتدون ) البقرة 155 – 157
و تعلم دعاء الصبر : فإذا أصابتك مصيبة تدعو وتقول ( إنا لله و إنا إليه راجعون ) أللهم أجرني في مصيبتي و اخلف لي خيراً منها.
=وما أصيب عبد بمصيبة إلا كان له فيها ثلاث نعم : أنها لم تكن في دينه , و أنها كانت لابد كائنة ( من القدر المكتوب ) و قد كانت ( انتهت )
== الخوف من الله :
= لا يكون العبد عابداً لله بدون الخوف من الله : لأن :
1- الخوف من الله شرط للإيمان ( و خافون إن كنتم مؤمنين ) ال عمران 157
2- حصول الهدى و الرحمة ( هدى و رحمة للذين هم لربهم يرهبون ) الاعراف 154
3- صفة العلماء ( إنما يخشى اللهَ من عباده العلماءُ ) فاطر 28
4- رضا الله ( رضي الله عنهم و رضوا عنه , ذلك لمن خشي ربه ) البينة 8
5- المغفرة والأجر الكبير(إن الذين يخشون ربهم بالغيب لهم مغفرة وأجر كبير ) الملك 13
6- الوقاية من عذاب جهنم ( الطور 25- 28 )
7- الفوز بأعظم درجات الجنة ( ولمن خاف مقام ربه جنتان ...ومن دونهما جنتان)الرحمن
==و يجب أن يجتمع الرجاء مع الخوف في العبادات : لقوله تعالى : ( فمن كان يرجو لقاء ربه فليعمل عملاً صالحاً و لا يشرك بعبادة ربه أحداً )
و الرجاء هو ارتياح القلب انتظاراً لشيء محبوب .
و الجاهل يعتمد على رحمة الله و عفوه , فأضاع أمر ربه و ترك نهيه , و نسي أنه شديد العقاب .
فيجب أن نحسن الظن بالله , ونحسن العمل الذي دعانا اليه , ونعمل بطاعته و نترك معصيته .
= ومن شروط الرجاء في الله : محبة ما نرجوه , و الخوف من فواته , و السعي في تحصيله .
ومن فضائل الرجاء : الوقاية من شر الناس في الدنيا ( غافر 44 , 45 ) و المغفرة في الآخرة ( الزمر 53 , 54 )
= ففي حالة الصحة يجب على العبد أن يكون خائفاً من الله راجياً عفوه
= و في حالة المرض و أمارات الموت يجب أن يكون راجياً لرحمة الله و مغفرته و جنته , و راضياً بقضائه .
== و الرضا : هو انشراح الصدر بقضاء الله . فمن رضي بقضاء الله جرى عليه و كان له أجر , ومن لم يرض جرى عليه القضاء و حبط عمله و كان عليه وزر .
=== محبة الله أصل من أصول العبادة .:
و الله يحب التوابين , و المتطهرين , و المجاهدين , و الذين يتبعون النبي صلى الله عليه و سلم .
= و علا مات محبة العبد لله : أن يحب لقاءه , و يحب طاعته , و يتقرب إليه بالنوافل , ولا يعصيه , و يحب كلام الله و رسوله , و يحب المؤمنين بالله و يرحمهم , و يكون شديداً على أعداء الله , ولا تأخذه في الله لومة لائم في الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر .
= = أسباب حياة القلب , و علاج القلب :
بالإكثار من ذكر الله , وتلاوة القراّن , و الاستغفار , و الدعاء , و الصلاةو السلام على رسول الله , و قيام الليل ( شرف المؤمن )
و الآن : كلنا نسير إلى الموت , فلماذا لا نسعى للجنة ؟
نسألكم الدعاء . د. وديع أحمد .