قطوف من كتاب :
هيا بنا نؤمن ساعة.
**************
للشيخ الطبيب / سعيد عبد العظيم .الإسكندرية – مصر . غفر الله له ولوالديه وحفظه وعافاه
*********************************************************************
بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم
كتب شيخنا : بسم الله والحمد لله و الصلاة والسلام على رسول الله
( يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا و أنتم مسلمون ) آل عمران 102 .
أما بعد . فان أصدق الحديث كتاب الله , و أحسن الهدي هدى محمد – صلى الله عليه وسلم , وشر الأمور محدثاتها , و كل محدثة بدعه , وكل بدعة ضلالة, وكل ضلالة في النار .
يا أيها الغادي . قف ساعة وتفكر . من أنت ؟ و إلى أين المصير ؟ أراحل أنت أم مقيم ؟
و إذا كنت مرتحلا , فإلى أين ؟ إلى جنة الخلد أم إلى النار ؟.
فالحياة بغير الله سراب . ( يحسبه الظمآن ماء حتى إذا جاء لم يجده شيئا ووجد الله عنده فوفاه حسابه , والله سريع الحساب )النور 39 .
( تعالى نؤمن ساعة . إن القلب أسرع تقلبا من القدر إذا اشتدت غليانها )
***********************************************
كلمات قالها ( عبد الله ابن رواحه ) ل( أبي الدرداء ) رضي الله عنهما , وهو اّخذ بيده , وتشابهت مع ما قاله
( معاذ بن جبل ) لصاحبه – رضي الله عنهما ( اجلس بنا نؤمن ساعة ).
و أحرى بنا و قد استحكمت الغربة أن نقول لأنفسنا ولمن حولنا : هيا بنا نؤمن ساعة , نراجع فيها ديننا ,
ونؤدي حق ربنا و حق النفس و حقوق الناس من حولنا , ويهتف كل منا قائلا (و عجلت إليك ربي لترضى )طه 84.
لقد جرت الدنيا منا مجرى الدم من العروق , ووصل حبها إلى شغاف القلوب , فبعنا اّخرتنا بحطام فان و دنيا لا بقاء لها ولا وفاء .
فكونوا عباد الله من أبناء الآخرة ولا تكونوا من أبناء الدنيا .
قد تكون هذه الساعة هي ساعة قيامتك , فان العبد إذا مات قامت قيامته و ابتدأ حسابه , فتلقى ربك على عمل صالح و تكون قد بلغت رسالة ربك , والدال على الخير كفاعله , ولأن يهدي الله بك رجلا واحدا خير لك من حمر النعم ( أفضلها ).
قدم الدعوة لمن حولك مرارا , وفي كل وقت , وبكل طريقة , كما فعل نوح – عليه السلام , فان أعرضوا عنك فلا تيأس , بل اتهم نفسك أولا قبل أن تتهم الآخرين , و قل لعلى لم أخاطبهم على قدر عقولهم . وتقدم للخالق بالدعاء . واستقم كما أمرت .
و نتابع مع الشيخ الفاضل :
باقات أغلى من الذهب وقطوف أحلى من العسل :
الباقة الأولى : خير الكلام كلام الله تعالى :
فما الذي يمنعك من أن تقول لأخيك : هيا بنا نقرأ شيئا من كتاب ربنا ؟.
فالقراّن هو حبل الله المتين و الصراط المستقيم , من عمل به نال أجره , ومن حكم به كان عادلا ,
ومن دعا إليه هداه الله , و لا تشبع منه العلماء .
ومن تركه واتبع غير سبيل المؤمنين ولاه الله ما تولى و أصلاه جهنم .
ردد على سمعك وسمع من معك آيات الله ,فهي ( وشفاء لما في الصدور وهدى ورحمة )يونس 57 ,
تخاطب العقول و القلوب في آن واحد , وفيها الأمر بالتوكل على الله في مواجهة كل العوائق .( سورة إبراهيم 12- 17 ) وفيها صفات عباد الله ( سورة الفرقان 63- آخرها ).
الباقة الثانية : من خطب و مواعظ النبي محمد –صلى الله عليه وسلم :
في أول جمعة صلاها بالمدينة في بني سالم بن عمرو بن عوف – رضي الله عنهم , قال :
( الحمد لله ,أحمده و أستعينه و أستغفره و أستهديه , وأؤمن به ولا أكفره , و أعادي من يكفره ,
و أشهد أن لا اله إلا الله وحده لا شريك له , و أن محمدا عبده و رسوله , أرسله بالهدى و دين الحق .....
أوصيكم بتقوى الله , فانه خير ما أوصي به مسلم أن يحضه على الآخرة .
و احذروا ما حذركم الله من نفسه ...إن تقوى الله توقي مقته , وتوقي عقوبته , و توقي سخطه , و تبيض الوجه , وترضي الرب و ترفع الدرجة ....
فأكثروا من ذكر الله , واعملوا لما بعد الموت , فانه من أصلح بينه وبين الله كفاه الله ما بينه وبين الناس ,
ذلك بأن الله يقضي على الناس ...,و يملك على الناس .
الله أكبر , ولا قوة إلا بالله العلي العظيم .)
== و صح عنه- صلى الله عليه و سلم – أنه قال ( كن في الدنيا كأنك غريب أو عابر سبيل , و عد نفسك من أهل القبور ) .
فطالع أقوال الصادق المصدوق – صلوات الله وسلامه عليه , و أحواله , فهو خير من دعا لله و قام بحقه , حتى أتاه اليقين ( الموت ) واحرص على الاستنان بسنته , تفز بسعادة الدارين ( الدنيا و الآخرة ) .
الباقة الثالثة : طرف من خطب أبي بكر و مواعظه – رضي الله عنه – سنة 13 ه.
( الحمد لله . أحمده و أستعينه , و أسأله الكرامة فيما بعد الموت ,... من يطع الله ورسوله فقد رشد , ومن يعصهما فقد ضل ضلالا مبينا .
أوصيكم بتقوى الله و الاعتصام بأمره ... و السمع و الطاعة لمن ولاه الله أمركم , فان من يطع والي الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فقد أفلح ...
و إياكم والفخر , وما فخر من خلق من تراب ؟ ثم إلى التراب يعود , ثم يأكله الدود , و هو اليوم حي وغدا ميت
فاعملوا يوما بيوم و ساعة بساعة , وتوقوا دعاء المظلوم , و عدوا أنفسكم من الموتى .)
= ولما حضره الموت قال لعمر ابن الخطاب : رضي الله عنهما :
اتق الله يا عمر , واعلم أن لله عملا بالنهار لا يقبله بالليل , وعملا بالليل لا يقبله بالنهار , وأنه لا يقبل نافلة حتى تؤدى فريضته .
الباقة الرابعة: طرف من أقوال الفاروق ( عمر)و خطبه ومواعظه – رضي الله عنه:
خطب عمر , فحمد الله و أثنى عليه , ثم قال : أما بعد ,أوصيكم بتقوى الله الذي يبقى و يفنى ما سواه , الذي بطاعته يكرم أوليائه , و بمعصيته يضل أعداءه ...
اعلموا أن سباب المسلم فسوق , وقتاله كفر . ولا يحل لك أن تهجر أخاك فوق ثلاثة أيام .
من أتى ساحرا أو كاهنا أو عرافا فصدقه ما يقول فقد كفر بما أنزل على محمد ( ص) .
ولا يخلون رجل بامرأة فان الشيطان ثالثهما .
من كثر ضحكه قلت هيبته , ومن كثر كلامه كثر سقطه , ومن كثر سقطه قل حياؤه , ومن قل حياؤه قل ورعه ,ومن قل ورعه مات قلبه ...
لا تمشي مع الفاجر فيعلمك فجوره ,ولا تطلعه على سرك , ولا تشاور في أمرك إلا الذين يخشون الله عز وجل === و لما طعنه المجوسي قال الحمد لله الذي لم يجعل ميتتي بيد رجل يدعي الإسلام .
وقال وهو يحتضر لشاب يمس إزاره الأرض : ارفع ثوبك فانه أنقى لثوبك و أتقى ربك .
ثم أمر ابنه أن يسدد دينه من مال أسرته , فان لم يكفي يسأل أقرباءه أن يسددوه , فان لم يكفي يسأل قريش أن يسددوا عنه ( فاعتبروا يا مسلمين . هذا الحاكم الذي فتح و غنم كنوز كسرى و قيصر, وكانت تأتيه جزية وخراج مصر والشام والعراق وشمال أفريقيا و غيرها , يموت مديونا دينا كبيرا لأجل الإنفاق على أسرته وفي سبيل الله .فقد كان ينافس أبا بكر في الصدقات و الإنفاق على جيوش المسلمين من ماله الخاص حتى لا يبقى لأسرته ما يكفيهم . ).
الباقة الخامسة : عثمان – رضي الله عنه , و تذكرة السلوك :
عن أبي سلمة بن عبد الرحمن قال : أشرف عثمان من القصر وهو محصور , فقال :
أنشد بالله من شهد رسول الله – صلى الله عليه وسلم – يوم حراء , إذ اهتز الجبل ,فركضه( ضربه ) بقدمه ثم قال ( اسكن حراء – ليس عليك إلا نبي أو صديق أو شهيد ) و أنا معه . فشهد له الرجال .
ثم ذكرهم بفعله – رضي الله عنه – يوم بيعة الرضوان , وتوسيع مسجد رسول الله ( ص ) من ماله , وتجيزه نصف جيش العسرة من ماله , وابتياعه بئر رومه في سبيل الله . و شهد له المسلمون .
و خطب ذو النورين- رضي الله عنه – حين بايعه أهل الشورى – فحمد الله و أثنى عليه , وصلى على النبي (ص) ,ثم قال :
إنكم في دار ارتحال ,فبادروا بخير ما تقدرون عليه , ألا وان الدنيا طويت على الغرور ( فلا تغرنكم الحياة الدنيا ولا يغرنكم بالله الغرور ) ( لقمان 33) واعتبروا بمن مضى , ثم جدوا ولا تغفلوا , فان الموت لا يغفل عنكم . أين أبناء الدنيا الذين عمروها ؟ ألم تلفظهم ؟ ارموا بالدنيا حيث رمى الله بها .و اطلبوا الآخرة .
الباقة السادسة : طرف من خطب ( علي بن أبي طالب ) رابع الخلفاء الراشدين – رضي الله عنهم –
و مواعظه وكلامه :
الحمد لله فاطر الخلق , وفالق الإصباح , وناشر الموتى, و باعث من في القبور ...
أوصيكم بتقوى الله , و...,و حج البيت فانه ينفي الفقر و الذنب ... و صلة الرحم فإنها تثري المال و تنسأ في الأجل ... و صدقة السر فإنها تكفر الخطية و تطفئ غضب الرب , .. و صنع المعروف فانه يدفع ميتة السوء ,
.... أفيضوا في ذكر الله فانه أحسن الذكر , .. و اقتدوا بهدي نبيكم فانه أفضل الهدي . و تفقهوا في الدين فانه ربيع القلب .... و اتركوا مجالس اللهو فإنها تنسي القراّن و يحضرها الشيطان ... و مجالسة النساء تزيغ القلوب وهي مصائد الشيطان ,,
اصدقوا الله فان الله مع من صدق , وجانبوا الكذب فانه مجانب للإيمان , ... ولا تنابزوا بالألقاب , ولا تمازحوا
و لا يغتب بعضكم بعضا ,و أعينوا الضعيف و المظلوم و الغارمين في سبيل الله و ابن السبيل و السائلين , ...
ارحموا الأرملة و اليتيم ... أفشوا السلام و ردوا التحية بمثلها و أحسن منها ...
أخاف عليكم طول الأمل و اتباع الهوى , لأن طول الأمل ينسى الآخرة , و اتباع الهوى يبعد عن الحق , ....
كونوا من أبناء الآخرة ما استطعتم , ولا تكونوا من أبناء الدنيا , فان اليوم عمل ولا حساب , و غدا حساب ولا عمل .
يا دنيا يا دنيا طلقتك طلاقا بائنا ... فعمرك قصير و عيشك حقير و خطرك كبير .
فلما سمع معاوية ابن أبي سفيان و المسلمون ذرفوا الدموع و اختنقوا بالبكاء .
= و قال على ابن أبي طالب – رضي الله عنه : الفقيه لا يقنط الناس من رحمة الله , ولا يأمنهم من عذاب الله , ولا يرخص لهم في معاصي الله , ولا يترك القراّن .
= وقال : ليكن سرورك بما نلت من أمر اّخرتك ( بما فزت به من الطاعات ) , ولا تكثر الفرح بما نلت من دنياك , و ليكن همك فيما بعد الموت .
الثمار المستطابة
جيء عبد الرحمن بن عوف بطعام , وكان صائما , فقال :
( قتل مصعب بن عمير( يوم أحد ) وهو خير مني , فكفنوه في بردة إن غطى رأسه بدت رجلاه , وان غطى رجلاه بدت رأسه , و قتل (حمزه بن أبي طالب ) وهو خير مني , فلم يوجد له ما يكفن فيه إلا بردة , ثم بسطت لنا من الدنيا ما بسط , وقد خشينا أن تكون حسناتنا عجلت لنا ) ( يعني كالكفار فلا تكون لنا حسنات في الآخرة ) , ثم جعل يبكي حتى ترك الطعام .
===و عن عبد الله بن مسعود – رضي الله عنه – قال : إنكم في ممر في آجال منقوصة , و أعمال محفوظة , و الموت يأتي فجأة , فمن يزرع خيرا يوشك أن يحصد مثله , ومن يزرع شرا يوشك أن يحصد ندامة , فلكل زارع مثلما زرع .فان أعطي خيرا فالله أعطاه , ومن وقي شرا فالله وقاه , المتقون هم السادة , والفقهاء قادة , ومجالسهم زيادة .
== وقال : من اليقين أن لا ترضي الناس بسخط الله و لا تحمد أحدا عل رزق الله , ولا تلومن أحدا على مالم يؤتك الله , فان رزق الله لا يسوقه حرص حريص , ولا يرده كره كاره .
== وقال : مادمت في صلاة فأنت تقرع باب الملك , ومن يقرع باب الملك يفتح له .
مع ركب الإيمان.
في غزوة بدر قال النبي صلى الله عليه وسلم ( قوموا إلى جنة عرضها السماوات و الأرض ), فقال ( عمير بن الحمام ) ( بخ بخ ). فقال رسول الله ( ما حملك على قولك بخ بخ ؟ ) , قال : لا والله يا رسول الله إلا رجاء أن أكون من أهلها . فقال النبي ( و انك من أهلها ). وهذا من دلائل نبوته ( ص) . فأخرج ( عمير ) تمرات من جعبته , ثم قال : لئن حييت حتى آكل تمراتي هذه إنها لحياة طويلة .فرمى بها ثم قاتلهم حتى قتل .رضي الله عنه .
== و قال معاذ بن جبل , لأبنه : إذا صليت فصلي صلاة مودع لا تظن أنك تعود إليها أبدا ( أي ينتهي عمره بعدها ) و اعلم أن المؤمن يموت بين حسنتين : حسنة قدمها , وحسنة أخرها ( أي : يجب على المؤمن أن لا يموت إلا وهو يفعل الحسنات أو على الأقل ينويها ) .
== و كتب أبو الدرداء يوما إلى سلمان الفارسي – رضي الله عنهما - : هلم إلى الأرض المقدسة .
فكتب إليه سلمان : إن الأرض لا تقدس أحدا , وانما يقدس الإنسان عمله .
== و قال : أضحكني مؤمل دنيا و الموت يطلبه , و غافل ليس بمغفول عنه , و ضاحك ملء فيه لا يدري أساخط رب العالمين عليه أم راض عنه .
و أبكاني فراق الأحبة محمد و صحبه , وهول المطلع , والوقوف بين يدي ربي عز و جل , ولا أدري إلى جنة أو إلى نار .
و قال له رجل : أوصني . فقال : إن تكلمت فتكلم بحق أو اصمت . فان غضبت فامسك لسانك و يدك .
كلهم أوتي علما و حكمة .
= كان ابن عمر = رضي الله عنهما – يقول : إذا أصبحت فلا تحدث نفسك بالمساء ( أي لا تفتكر أنك ستعيش إلى المساء ) و إذا أمسيت فلا تحدث نفسك بالصباح , و خذ من صحتك لسقمك , و من حياتك لموتك , فانك لا تدري يا عبد الله ما اسمك غدا .
= و عن أبي ذر الغفاري أنه قال : في المال ثلاثة شركاء : القدر – لا يستأمرك أن يذهب بخيرها أو بشرها من هلاك أو موت , و الوارث – ينتظر أن تضع رأسك ثم يستقاها وأنت ذميم , و أنت الثالث – فان استطعت ألا تكون أعجز الثلاثة , فلا تكونن .فان الله تعالى قال ( لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون )(آل عمران 92 ).
= و قال أيضا :
حجوا حجة لعظائم الأمور , و صوموا يوما شديدا حره لطول النشور , وصلوا ركعتين في سواد الليل لوحشة القبور ,وكلمة خير تقولها أو كلمة شر تسكت عنها لوقوف يوم عظيم . تصدق بمالك لعلك تنجو من عسيرها .
- اجعل المجالس مجلسين : مجلسا في طلب الحلال , ومجلسا في طلب الآخرة , الثالث يضرك ولا ينفعك . لا تطلبه . و اجعل المال درهمين ( أنفق مالك في أمرين ) درهما تنفقه على عيالك من حلال , و درهما تقدمه ( صدقة ) لآخرتك .و الثالث يضرك ولا ينفعك , لا تطلبه .
وكان أبو الدرداء ( رضي الله عنه ) يقول : اطلبوا العلم , فان عجزتم فاحبوا أهله , , فان لم تحبوهم فلا تبغضوهم .
وكان يقول : معاتبة الأخ خير لي من فقده .
وقال : يا بن آدم إنما أنت أيام , فكلما ذهب يوم ذهب بعضك , وانك لم تزل في هدم عمرك منذ ولدتك أمك .
ما ينفعك إذا كان مالك يزيد و عمرك ينقص .؟؟؟
مواقف ذات عبر .
كان ( عمرو بن الجموح ) - رضي الله عنه – أعرج, فلما أراد أن يخرج مع رسول الله – صلى الله عليه وسلم – في غزوة أحد ,منعه أبناؤه , فأتى إلى النبي ( ص ) و قال : والله اني لأرجو أن أطأ بعرجتي هذه في الجنة .فتركه الرسول يشترك في الحرب , فقاتل حتى قتل .
سيرة ملأت الدنيا عبيرا .
لما تولى عمر بن عبد العزيز الخلافة , رفض أن يركب مراكب الخليفة , و ركب بغلته ,و منع رئيس الشرطة من السير أمامه قائلا : إنما أنا رجل من المسلمين .
و دخل المسجد و صعد إلى المنبر و قال : يا أيها الناس اني قد ابتليت بهذا الأمر , فاختاروا لأنفسكم ,( يعني يختاروا خليفة غيره ) فصاحوا : اخترناك يا أمير المؤمنين .
فحمد الله و أثنى عليه , وصلى على النبي ( ص) , ثم قال :
أوصيكم بتقوى الله ... و اعملوا لأخرتكم فان من عمل لأخرته كفاه الله تبارك و تعالى أمر دنياه , و أكثروا من ذكر الموت , و أحسنوا الاستعداد قبل أن ينزل بكم , فانه هادم اللذات .. من أطاع الله وجبت طاعته , ومن عصاه فلا طاعة له .... أطيعوني ما أطعت الله , فان عصيته فلا طاعة لي عليكم .
و لما تعب وعاد إلى منزله ليرتاح قليلا , قال له ابنه ( عبد الملك ) : تنام ولا ترد المظالم ؟ أتضمن أن تعيش ؟
فقال عمر بن عبد العزيز : الحمد لله الذي أخرج من صلبي من يعينني على ديني . ثم أمر بالمظالم فحكم فيها .
و توفي ابنه هذا قبل أن يبلغ العشرين من العمر . عليه رحمة الله .
واليك أخي القارئ قطوف سريعة , فان المقال عظيم و كبير :
= إن من كان قبلنا كانوا يجعلون للدنيا ما فضل عن اّخرتهم, ( أي يجعلون لأعمال الدنيا ما بقي من الوقت بعد أن يعملوا لآخرتهم ), ونحن نجعل لآخرتنا ما فضل عن دنيانا . ( هذا كان في زمن الصالحين ,أما الآن فلا هذا ولا ذاك ) .
= كيف أنسى الموت والموت لا ينساني ؟
و كيف يشتد حبي لدار ليست داري ؟
وكيف لا أبادر بعملي قبل أن يغلق باب توبتي ؟
= كلنا أيقن بالموت وما نرى له مستعدا .!
و كلنا أيقن بالجنة وما نرى لها مستعدا .!
و كلنا أيقن بالنار وما نرى لها خائفا .!
= قالوا : مالنا نكره الموت ؟ قال : لأنكم خربتم اّخرتكم, وعمرتم دنياكم , فأنت تكرهون أن تنتقلوا من العمار إلى الخراب .
= إذا أحببت دوام النعمة , فأكثر من الحمد و الشكر عليها.( لئن شكرتم لأزيدنكم ) .
= إذا استبطأت الرزق , فأكثر من الاستغفار .
= من ترك الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر بسبب خوفه من الناس , نزعت منه هيبة الله تعالى , فلو أمر ولده لاستخف به .
= اني إذا عصيت الله أعرف ذلك في أخلاق زوجتي و خادمي و دابتي .
= اذكر طول سهر أهل النار فيها .
= الداء هو الذنوب , والدواء هو الاستغفار , والشفاء أن تتوب فلا تعود .
= أصبحنا مذنبين , نأكل أرزاقنا وننتظر آجالنا .!!!
= ما لي تضيع لي الدجاجة فأحزن لها , وتفوتني الصلاة فلا أحزن لها ؟؟؟
= يا أيها المغرور بصحته , ألم تر ميتا من غير مرض ؟؟؟
= اللهم اجعل خير أعمالنا خواتيمها , و خير أعمارنا أواخرها , و خير أيامنا يوم نلقاك .
فهيا بنا نؤمن ساعة , فان القلوب أسرع تقلبا ( بين الإيمان والكفر وبين الطاعة والمعصية ) من غليان الماء .
و آخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين .
وصلى اللهم وسلم على سيدنا محمد وعلى اّله و أصحابه أجمعين .
تلخيص / د. وديع أحمد = أول ذو القعدة 1428 ه .